فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}
قوله تعالى: {إِلاَّ مَن رَّحِمَ}: ظاهرُه أنه متصلُ وهو استثناءٌ مِنْ فاعل يَزالون أو من الضمير في مختلفين. وجوَّز الحوفي أن يكون استثناءً منقطعًا، أي: لكن مَنْ رَحِمَ لم يختلفوا، ولا ضرورةَ تدعو إلى ذلك. ولذلك في المشار إليه أقوال كثيرة أظهرها: أنه الاختلافُ المدلولُ عليه بمختلفين كقوله:
إذا نُهي السَّفيهُ جرى إليه

وخالفَ، والسَّفيهُ إلى خلافِ رَجَعَ الضميرُ من إليه على السَّفَه المدلولِ عليه بلفظ السَّفيه، ولابد مِنْ حذفِ مضافٍ على هذا، أي: ولثمرة الاختلاف خَلَقَهم. واللامُ في الحقيقة للصيرورة، أي: خَلَقَهم ليصير أكثرهم إلى الاختلاف. وقيل: المراد به الرحمة المدلول عليها بقوله: رحم وإنما ذُكِّر ذهابًا بها إلى الخير. وقيل: المرادُ به المجموعُ منهما، وإليه نحا ابنُ عباس كقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68]. وقيل: إشارةٌ إلى ما بعده من قوله: {وتَمَّت كلَّمة ربك}، ففي الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، وهو قول مرجوح؛ لأن الأصلَ عدمُ ذلك. وقوله: {أجمعين} تأكيد، والأكثر أن تُسْبَقَ ب كل وقد جاء هنا دونَها.
والجِنَّةُ والجِنُّ: قيل: واحد، والتاءُ فيه للمبالغة. وقيل: الجنَّة جمع جِنّ، وهو غريبٌ، فيكون مثل كَمْء للجمع وكَمْأة للواحد. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
لو شاء لَجَعلهم أربابَ الوفاق ثم لا يوجبون لمُلْكِه زَينًْا، ولو شاء لجعلهم أرباب الخلافِ ثم لا يوجِبُون لمُلْكِه شَيْنا.
ثم قال: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} لأنه كذلك أراد بهم.
{إلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [هود: 119] في سباق حكمه فعصمهم عن الخلاف في حاصل أمورهم، وأقامهم به، ونصبهم له، وأثبتهم في الوفاق والمحبة والتوحيد.
قوله جلّ ذكره: {وتمت كملةُ ربك لأملأن جهنم من الجِنَّةِ والناسِ أجمعين}.
أي لا تبديل لقوله، ولا تحويل لحُكْمه. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

فإن قيل: قوله تعالى: {ولذلك خلقهم} إشارة إلى ماذا؟
قلنا: هو إشارة إلى ما عليه الفريقان من حال الاختلاف والرحمة، فمعناه أنه خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرحمة للرحمة، وقد فسره ابن عباس- رضي الله عنهما- فقال: خلقهم فريقين، فريقا رحمهم فلم يختلفوا، وفريقا لم يرحمهم فاختلفوا.
وقيل: هو إشارة إلى الاختلاف، والضمير في: {خلقهم} للمختلفين؛ واللام على الوجه الأول والثالث، لام العاقبة والصيرورة لا لام كى، وهى التى لام الغرض.
والمقصود؛ لأن الخلق للاختلاف في الدين لا يليق بالحكمة.
ونظير هذه اللام قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}
وقول الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب

وقيل: إنها لام التمكين والإقدار كما في قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ} وقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا}
والتمكين والإقدار حاصل وإن لم يكن بعض الناس في الليل، ولم يركب بعض هذه الدواب.
ومعنى التمكين والإقدار هنا أنه سبحانه وتعالى أقدرهم على قبول حكم الاختلاف، ومكنهم منه.
وقيل: اللام هنا بمعنى على كما في قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وقوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا}. اهـ.

.تفسير الآيات (120- 122):

قوله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر سبحانه بما فعل بالقرى الظالمة، وحذر كل من فعل أفعالهم بسطواته في الدنيا والآخرة، وأمر باتباع أمره والاعراض عن اختلافهم الذي حكم به وأراده، عطف على قوله: {نقصه عليك} قوله: {وكلًا نقص} أي ونقص: {عليك} كل نبأ أي خبر عظيم جدًا: {من أنباء الرسل} مع أممهم: صالحيهم وفاسديهم، فعم تفخيمًا للأمر، ولما كان الذي جرّ هذه القصص ما مضى من قوله: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك}، وكان ساكن الصدر القلب، وهو الفؤاد الذي به قوام الإنسان بل الحيوان، وهو أحرّ ما فيه، ولذا عبر عنه بما اشتق من الفأد وهو الحرف، وكان من لازم الحرارة الاضطراب والتقلب الذي اشتق منه القلب فيضيق به الصدر، أبدل من: {كلًا} قوله: {ما نثبت} أي تثبيتًا عظيمًا: {به فؤادك} أي فيسكن في موضعه ويطمئن أو يزداد يقينه فلا يضيق الصدر من قولهم: {لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك} ونحوه، وبهذا تبين أن المراد بذلك العام خاص لحصوله المقصود له، وهو التسلية نظرًا إلى قوله تعالى: {وضائق به صدرك} لأن المشاركة في الأمور الصعبة تهون على الإنسان ما يلقى من الأذى، والإعلام بعقوبات المكذبين فيها تأنيس للمكروب؛ والتثبيت: تمكين إقامة الشيء؛ والفؤاد: العضو الذي من شأنه أن يحمى بالغضب الحال فيه، من المفتأد وهو المستوي.
ولما بين أن كل ما قص عليه من أخبارهم يستلزم هذا المقصود، بين أنه ليس كما يعلل به غالبًا من الأخبار الفارغة والأحاديث المزخرفة الباطلة ولا مما ينقله المؤرخون مشوبًا بالتحريف فقال: {وجاءك في هذه} أي الأخبار: {الحق} أي الكامل في الثبات الذي لا مرية فيه، وفائدة الظرف التأكيد لعظم المقصود من آية: {فلعلك} وصعوبته.
ولما كان الحق حقًا بالنسبة إلى كل أحد عرفه ونكر ما هو خاص بقوم دون قوم فقال: {وموعظة} أي مرقق للقلوب: {وذكرى} أي تذكير عظيم جدًا: {للمؤمنين} أي الراسخين في الإيمان، وقد تضمنت الآية الاعتبار من قصص الرسل بما فيها من حسن صبرهم على أممهم واجتهادهم على دعائهم إلى عبادة الله بالحق وتذكير الخير والشر وما يدعو إليه كل منهما من عاقبة النفع والضر للثبات على ذلك جميعه اقتداء بهم.
ولما ذكر نفع هذا الحق، كان كأنه قيل: فعظهم بذلك وذكرهم به، فعطف عليه قوله: {وقل} ويجوز أن يكون معطوفًا على قوله: {واصبر} أي اصبر على ما أمرناك به من تبليغ وحينا وامتثاله، وقل: {للذين} أي لم تؤثر فيهم هذه الموعظة فهم: {لا يؤمنون} أي لا يتجدد لهم إيمان منذرًا لهم: {اعملوا} متمكنين: {على مكانتكم} أي طريقتكم التي تتمكنون من العمل عليها.
ولما كان العمل واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى كل من تبعه فهم عاملون لا محالة سواء عمل الكفار أو لا، قال مؤكدًا لأجل إنكار الكفار أن يدوموا على العمل المخالف لهم مع ما يصل إليهم لأجله من الضر، معريًا له عن فاء السبب لذلك والاستئناف: {إنا} أي أنا ومن معي: {عاملون} أي ثابت عملنا لا نحول عنه لأن ما كان لله فهو دائم بدوامه سبحانه، وحذف النون الثانية اكتفاء بمطلق التأكيد لأنه كافٍ في الإعلام بالجزم في النية، وفيه تأدب بالإشارة إلى أن المستقبل أمر لا اطلاع عليه لغير الله فينبغي أن لا يبلغ في التأكيد فيه غيره، وهذا بخلاف ما في سورة فصلت مما هو جارٍ على ألسنة الكفرة: {وانتظروا} أي ما أنتم منتظرون له من قهرنا: {إنا منتظرون} أي ما وعدنا الله في أمركم، فإن الله مهلكهم ومنجيك لأنه عالم بغيب حالك وحالهم وقادر عليكم؛ والانتظار: طلب الإدراك لما يأتي من الأمر الذي يقدر النظر إليه؛ والتوقع: طلب ما يقدر أنه يقع، وهما يكونان في الخير والشر ومع العلم والشك، والترجي لا يكون إلا مع الخير والشك. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر القصص الكثيرة في هذه السورة ذكر في هذه الآية نوعين من الفائدة.
الفائدة الأولى: تثبيت الفؤاد على أداء الرسالة وعلى الصبر واحتمال الأذى، وذلك لأن الإنسان إذا ابتلى بمحنة وبلية فإذا رأى له فيه مشاركًا خف ذلك على قلبه، كما يقال: المصيبة إذا عمت خفت، فإذا سمع الرسول هذه القصص، وعلم أن حال جميع الأنبياء صلوات الله عليهم مع أتباعهم هكذا، سهل عليه تحمل الأذى من قومه وأمكنه الصبر عليه.
والفائدة الثانية: قوله: {وَجَاءكَ فِي هذه الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} وفي قوله: {فِي هذه} وجوه: أحدها: في هذه السورة.
وثانيها: في هذه الآية.
وثالثها: في هذه الدنيا، وهذا بعيد غير لائق بهذا الموضع.
واعلم أنه لا يلزم من تخصيص هذ السورة بمجيء الحق فيها أن يكون حال سائر السور بخلاف ذلك، لاحتمال أن يكون الحق المذكور في هذه السورة أكمل حالًا مما ذكر في سائر السور، ولو لم يكن فيها إلا قوله: {فاستقم كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] لكان الأمر كما ذكرنا، ثم إنه تعالى بين أنه جاء في هذه السورة أمور ثلاثة الحق والموعظة والذكرى.
أما الحق: فهو إشارة إلى البراهين الدالة على التوحيد والعدل والنبوة.
وأما الذكرى: فهي إشارة إلى الإرشاد إلى الأعمال الباقية الصالحة.
وأما الموعظة: فهي إشارة إلى التنفير من الدنيا وتقبيح أحوالها في الدار الآخرة، والمذكرة لما هنالك من السعادة والشقاوة، وذلك لأن الروح إنما جاء من ذلك العالم إلا أنه لاستغراقه في محبة الجسد في هذا العالم نسي أحوال ذلك العالم فالكلام الإلهي يذكره أحوال ذلك العالم، فلهذا السبب صح إطلاق لفظ الذكر عليه.
ثم هاهنا دقيقة أخرى عجيبة: وهي أن المعارف الإلهية لابد لها من قابل ومن موجب، وقابلها هو القلب، والقلب ما لم يكن كامل الاستعداد لقبول تلك المعارف الإلهية والتجليات القدسية، لم يحصل الانتفاع بسماع الدلائل، فلهذا السبب قدم الله تعالى ذكر إصلاح القلب، وهو تثبيت الفؤاد، ثم لما ذكر صلاح حال القابل، أردفه بذكر الموجب، وهو مجيء هذه السورة المشتملة على الحق والموعظة والذكرى، وهذا الترتيب في غاية الشرف والجلالة.
{وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ}
اعلم أنه تعالى لما بلغ الغاية في الأعذار والإنذار، والترغيب والترهيب، أتبع ذلك بأن قال للرسول: {وَقُل لّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} ولم تؤثر فيهم هذه البيانات البالغة: {اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} وهذا عين ما حكاه الله تعالى عن شعيب عليه السلام أنه قال لقومه، والمعنى: افعلوا كل ما تقدرون عليه في حقي من الشر، فنحن أيضًا عاملون.
وقوله: {اعملوا} وإن كانت صيغته صيغة الأمر، إلا أن المراد منها التهديد، كقوله تعالى لإبليس: {واستفزز مَنِ استطعت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64] وكقوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وانتظروا ما يعدكم الشيطان من الخذلان فإنا منتظرون ما وعدنا الرحمن من أنواع الغفران والإحسان.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: {وانتظروا} الهلاك فإنا منتظرون لكم العذاب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبتُ به فؤادك} أي نقوّي به قلبك وتسكن إليه نفسك، لأنهم بُلُوا فصبروا، وجاهدوا فظفروا.
{وجاءَك في هذه الحقُّ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: في هذه السورة، قاله ابن عباس وأبو موسى.
الثاني: في هذه الدنيا، قاله الحسن وقتادة. الثالث: في هذه الأنباء، حكاه ابن عيسى.
وفي هذا: {الحق} وجهان:
أحدهما: صدق القصص وصحة الأنباء وهذا تأويل من جعل المراد السورة.
الثاني: النبوة، وهذا تأويل من جعل المراد الدنيا.
{وموعظةُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: القرآن الذي هو وعظ الله تعالى لخلقه.
الثاني: الاعتبار بأنباء من سلف من الأنبياء ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «والسعيد من وعظ بغيره». اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}
قوله: {وكلًا} مفعول مقدم ب: {نقص} وقيل: هو منصوب على الحال، وقيل على المصدر.
قال القاضي أبو محمد: وهذان ضعيفان، و: {ما} بدل من قوله: {كلًا}، و: {نثبت به فؤادك} أي نؤنسك فيما تلقاه، ونجعل لك الأسوة في مَنْ تقدمك مِن الأنبياء، وقوله: {في هذه} قال الحسن: هي إشارة إلى دار الدنيا، وقال ابن عباس: إلى السورة والآيات التي فيها ذكر قصص الأمم، وهذا قول الجمهور.
قال القاضي أبو محمد: ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها ب: {الحق}- والقرآن كله حق- أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر، أي جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة، وهذا كما يقال عند الشدائد: جاء الحق وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه، ولا يستعمل في ذلك: جاء الحق، ثم وصف أيضًا أن ما تضمنته السورة هي: {موعظة وذكرى للمؤمنين}؛ فهذا يؤيد أن لفظة: {الحق} إنما تختص بما تضمنت من وعيد للكفرة.
وقوله تعالى: {وقل للذين لا يؤمنون} الآية، هذه آية وعيد، أي: {اعملوا} على حالاتكم التي أنتم عليها من كفركم.
وقرأ الجمهور هنا: {مكانتكم} واحدة دالة على جمع وألفاظ هذه الآية تصلح للموادعة، وتصلح أن تقال على جهة الوعيد المحض والحرب قائمة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ}
{كُلًا} نصب ب {نقص} معناه وكلّ الذي تحتاج إليه من أنباء الرسل نقصّ عليك.
وقال الأخفش: {كُلًا} حال مقدّمة، كقولك: كُلًا ضربت القوم.
{مِنْ أَنْبَاءِ الرسل} أي من أخبارهم وصبرهم على أذى قومهم.
{مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} أي على أداء الرسالة، والصبر على ما ينالك فيها من الأذى.
وقيل: نزيدك به تثبيتًا ويقينًا.
وقال ابن عباس: ما نشدّ به قلبك.
وقال ابن جُريج: نُصبّر به قلبك حتى لا تجزع.
وقال أهل المعاني: نُطيّب، والمعنى متقارب: وما بدل من كلًا المعنى: نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك.
{وَجَاءَكَ فِي هذه الحق} أي في هذه السورة؛ عن ابن عباس وأبي موسى وغيرهما؛ وخصّ هذه السورة لأنّ فيها أخبار الأنبياء والجنة والنار.
وقيل: خصّها بالذّكر تأكيدًا وإن كان الحقّ في كل القرآن.
وقال قَتَادة والحسن: المعنى في هذه الدنيا، يريد النبوّة.
{وَمَوْعِظَةٌ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} الموعظة ما يُتّعظ به من إهلاك الأمم الماضية، والقرون الخالية المكذبة؛ وهذا تشريف لهذه السّورة؛ لأن غيرها من السّور قد جاء فيها الحقّ والموعظة والذّكرى ولم يقل فيها كما قال في هذه على التّخصيص.
{وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي يتذكرون ما نزل بمن هلك فيتوبون؛ وخصّ المؤمنين لأنهم المتّعظون إذا سمعوا قصص الأنبياء.
قوله تعالى: {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعملوا على مَكَانَتِكُمْ}
تهديد ووعيد.
{إِنَّا عَامِلُونَ}، {وانتظروا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} تهديد آخر، وقد تقدّم معناه. اهـ.